محاضرة للشيخ محمد العلي بعنوان – دور الأندية الرياضية في التربية
بدعوة من المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في منطقة صيدا ومخيماتها حاضر الشيخ محمد العلي بالهيئات الادارية للاندية والجمعيات الرياضة في المنطقة بعنوان:
دور الأندية الرياضية في التربية
إن للأندية الرياضية دورا هاما في التربية، فرسالة التربية البدنية والرياضة، تمتاز بأنها رسالة عمل وتطبيق وبناء، وليست نظريات وأفكار وفلسفات مجردة، فالتربية البدنية والرياضة، بكل ما فيها هي رسالة بناء الإنسان.
ولكي تتحول رسالة الأندية الرياضية ، إلى رسالة بناء الإنسان، لا بد من توفر شرطين أساسيين، وهما: المعرفة – التطبيق.
وتؤكد التربية البدنية والرياضة أن منطلق التغيير الاجتماعي، يبدأ من التغيير الذاتي عند الإنسان.
بسم الله الرحمن الرحيم
“إنَّ اللهَ لا َيُغَيِّرُ ما بِقَوْم حَتّى يُغَيِّروا ما بأنْفُسِهِم” ( الرعد: 11)
إن التغيير الفكري والروحي والعاطفي الشامل هو أساس التغيير والبناء، فما لم تتغير أفكار الإنسان ووعيه وفهمه، وتتكون لديه العواطف والمشاعر والقناعات الفكرية والنفسية بقيم المجتمع المنشود، والإيمان بقوانينه وأنظمته، لا يمكن أن يبنى ذلك المجتمع ويتكون، فتسير الحياة فيه وفق تلك القيم والمفاهيم والقوانين، فالإكراه والقسر السلطوي والإخضاع الشكلي للقـانون لا يحقق ذلك.
فما لم يؤمن الإنسان في المجتمع مثلاً بأن الحياة في المجتمع لا تسير إلا بالتعاون الحميد، ولا تقوم حياة تعاونية بالقسر والإكراه، وقد رأينا كيف انهار المجتمع الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي الذي فرض فيه التعاونيات الاجتماعية قسرًا علي أنقاض هدم الإرادة الذاتية للأفراد ومصادرة حرياتهم الشخصية.
وما لم يتحرر الإنسان من الأنانية في كل مجالاتها، فيحب للآخرين ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، لا يمكن أن يبنى مجتمع يسوده الأمن والعدل والسلام وتكافؤ الفرص والحقوق، فيأخذ كل ذي حق حقه.
ولكي نحقق ذلك من الناحية العملية، لا بد من أن نرسم منهجًا تنفيذيًا لبناء المجتمع وفق مبادئ وقيم تقوم على عنصرين أساسيين، هما:المعرفة والتطبيق.
فالتربية البدنية والرياضة، تربي الإنسان على التنافس الشريف، واحترام قوانين اللعب، واحترام حقوق الآخرين، وعلي الحياة التعاونية … وغيرها.
ويتفق الخبراء في المجال التربوي الرياضي أهمية الدور المطلوب من المؤسسات والأندية الرياضية في التربية.
أولاً: للمؤسسات والأندية الرياضية والتربوية دور كبير وبارز في ترسيخ مفهوم التربية
الوقائية لأفراد المجتمع، وذلك من خلال التوعية المستدامة والتركيز على المبادئ
الأخلاقية التي تحكم أفراد المجتمع.
ثانياً: للمؤسسات دور كبير في نشر الوعي الثقافي بين أفراد المجتمع من خلال إقامة
الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تتناول ظاهرة العولمة وتأثيراتها على
المجتمعات.
ثالثاً: المؤسسات والأندية الرياضية والتربوية سواء أكانت حكومية أم أهلية معنية بالتنشئة
الاجتماعية السليمة لجميع أفراد المجتمع من الأسرة والمدارس واللجان الأولمبية
والأندية والاتحادات الرياضية والجامعات ودور العبادة والنقابات ،وذلك من خلال
توجيه عناية الأفراد بالتسلح بالوعي الثقافي والحضاري ويتم ذلك من خلال:
– 1 نشر الوعي بالثقافة الحاسوبية والإنترنت وكيفية الاستفادة منها في تنمية أفراد
المجتمع.
-2 إدراك هذه المؤسسات والأندية أن التربية هي مفتاح التنمية البشرية، وأساس الرأسمال
البشري، وحتى تكون التربية في مقدمة الاهتمام لا بد من وجود سياسة تكرم
الإنسان، وتقدس حقوقه الطبيعية، وتقدر دوره في بناء المجتمع.
-3 التركيز على استثمار العقل البشري العربي من خلال الاستفادة من إيجابيات
العولمة والاستفادة من سرعة الاتصالات والثورة المعلوماتية، والتي تجعل
المجتمعات العربية مصدره للمعرفة لا مستهلكاً لها.
-4 على هذه المؤسسات والأندية دور كبير في تسويق الثقافة العربية الإسلامية التي تحترم
نفسها وتحترم الآخرين، وأن هذه الثقافة انتشرت في العالم لعدة قرون، فلا زال
الغرب يتغنى بأسماء العلماء والفلاسفة العرب حتى الآن.
-5 على هذه المؤسسات والأندية التعامل مع مظاهر العولمة بحذر شديد، وأن تأخذ كل ما
يتناسب مع ديننا ومعتقداتنا وتراثنا وقيمنا، وتنبذ كل ما يتنافى وديننا وقيمنا
وتراثنا وحضارتنا، وأقول إن الذي يصلح للمجتمعات الغربية قد لا يصلح
للمجتمعات العربية، فنحن أمة لها خصوصيتها من حيث الدين والثقافة والحضارة
والتاريخ. فالعولمة تحاول جاهدة طمس الهوية العربية المسلمة، وأن يخضع
العالم العربي والإسلامي إلى النظام العالمي الجديد وما يحتوي عليه من سلبيات،
لذا يقع على عاتقنا أفرادا” وجماعات ومؤسسات وأندية دور كبير في” فلترة “أو غربلة
كل ما يدور في فلك العولمة، وكل ذلك من أجل حماية مجتمعاتنا العربية التي
تعيش في ظل النظام العالمي الجديد.
إذ تشكل التنمية الرياضية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية أركاناً أساسية
في التنمية الشاملة للجميع، حيث يعتبر استثمار هذه الأركان ذا عائد كبير جداً على
الدور الوقائي والتنموي للمؤسسات الرياضية والتربوية لأفراد المجتمع في ظل العولمة
المجتمع، ومن ثم الدولة.
فالمؤسسات والأندية الرياضية والتربوية والتعليمية والاجتماعية تعتبر نسيجاً متكاملاً وكل منهما مكملٌ للآخر. ويقع عليها دور كبير في كيفية المحافظة على
الهوية الثقافية والتراث والقيم مع الأخذ بإيجابيات العولمة والتنبه لسلبياتها.
ومن أهم أهداف المؤسسات والأندية الرياضة في التربية:
1 – إعداد الفرد الصالح من خلال تعديل سلوكه وجعله عضوا فاعلا في مجتمع
2 – تنمية القدرات العقلية للطلاب
-3نشر الوعي الصحي بين الطلاب
حيث يتم إرشادهم إلى العادات الصحية السليمة التي تعود عليهم بالفائدة
4 – رعاية الطلاب المتفوقين رياضيا
– 5 العناية بالطلاب الخواص
ويتم إشراكهم في النشاط الرياضي
حسب قدراتهم الرياضية
وحالتهم الصحية
ومن أهم فوائد النشاط الرياضي :
1- الجانب الاجتماعي : التعامل مع الآخرين – مواجهة المواقف
2- الجانب الانفعالي : السيطرة على النفس في حالة الانفعال – الانضباط – والانتظام
3– الجانب الوجداني: مساعده الآخرين – تحمل المسؤولية.
والتمارين تجنبك الأمراض وتعالج السكري ـ الاكتئاب – أمراض القلب ـ ارتفاع ضغط الدم، التهاب المفاصل …
ونختم بجملة من النصوص الشرعية (آيات قرآنية- أحاديث نبويّة ) في هذا الباب:
آيات قرآنية:
قال الله تعالى : وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (الإسراء 70)
من نعم الله علي بني البشر أن خصّهم بالعقل عن بقيّة المخلوقات فقد سخّر لهم ما في السموات والارض جميعاً .، وميّزهم بالعقل ليتفكروا ويتدبّروا في خلق الكون وسعادة الانسان معقودة بقوة الجسم والروح وكثير من الآيات القرأنية أوضحت لنا اهمية القوة البدنية والجسدية ،وفي آيات أخرى احلّت لنا الطيبات وحرمت الخبائث التي تضر بالجسد ، وهناك آيات احلت الصيد فهو رياضة ومتعة كما أنّه مصدر لرزق الكثير من الناس .
ومن بين آيات القرآن الكريم في هذا هذا الموضوع ما يلي :
قال الله تعالى : ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ “(القصص( 26: ؛ ويمكن ان نستخلص هنا بأن القوة لا بد وان تكون مقرونة بالاخلاق الحسنة كالأمانة من خلال قصة موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب عليه السلام .
وقد أوضحت آيات من القرآن الكريم أن القوّة مطلوبة في الإنسان , من خلال ذكر نماذج للمسلمين الأقوياء ،كما هو الأمر مع سيدنا إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل عليه السلام وهما يتعاونان على بناء الكعبة المشرّفة ..
ومع ذي القرنين الذي استثمر طاقاته المبدعة في الدفاع عن المستضعفين : ” قَالُوا يَا ذَا القَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَداًّ (94)قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً” (95 الكهف(
وطالوت:” وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” (البقرة 247)
“وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ” (الأنفال 60)
إنّ القدرة البدنية في الاسلام يراد لها أن توضع في موضع الخدمة لبناء أيّ صرح علمي أو ثقافي أو تربوي أو عبادي أو خدمي . فلنستثمر قوّتـنا في الاعمال الخيّرة .. فنقف في صفوف الرياضيين الابطال الاقوياء .. و نجعل من تلك النماذج المسلمة .. مثالاً أعلى لنا فنسير على خطاهم …
الأحاديث النبويّة :
ومن السنن النبوية ما حث البشر والمؤمنين خاصة علي القوى الجسدية .، فالقوى مطلوبة حتى يتمكن للأنسان من تأدية عمله فلن يكون قادرا على العمل من يفتقر الى القوة التي تمكّنه من أدائه. لهذا أمرنا الرسول الكريم (ص) بأن نكون أقوياء. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي خير وأحب الي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وان اصابك شيء فلاتقل لو اني فعلت كذا وكذا ولكن قل (قدر الله وماشاء فعل ) فإن (لو ) تفتح عمل الشيطان ). رواه مسلم في صحيحه
ونرى أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ميادين عديدة من الرياضة : في رياضة الرمي وهي من ألوان ألعاب القوى : عن عقبة ابن عامر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قرأ هذه الآيه علي المنبر (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة) قال ألا إن القوّة الرمي ثلاث مرات ألا إنّ الله سيفتح لكم الأرض وستكفون المؤنة فلا يعجزن أحدكم ان يلهو بأسهمه. رواه مسلم.
عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال كان أبو طلحه يتترّس مع النبي صلي الله عليه وسلم بترس واحد وكان أبو طلحه حسن الرمي فكان إذا رمى تشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر الي موضع نبله. رواه البخاري
عن سعد ابن ابي وقاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم . صحيح الجامع الصغير للسيوطي … صححه الالباني.
عن يزيد ابن ابي عبيد قال : سمعت سلمه ابن الاكوع رضي الله عنه قال : مر النبي علي نفر من اسلم ينتصلون فقال النبي صلي الله عليه وسلم : ارموا بني اسماعيل فإن اباكم كان رامياً. رواه البخاري في رياضة سباق الإبل – الخيل : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سابق الرسول صلي الله عليه وسلم بين الخيل التي اضمرت فأرسلها من الحفياء وكان أمدها ثنية الوداع فقلت لموسى فكم كان بين ذلك ؟ قال 6 اميال او 7 وسابق بين الخيل التي تضمر وارسلها من ثنية الوداع وكان امدها مسجد بني زريق قلت فكم بين ذلك ؟ قال ميل او نحوه وكان ابن عمر ممن سابق فيها. رواه البخاري
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: سابق بين الخيل وأعطى السابق. رواه البخاري.
موافقة الرسول علي اللعب :
روت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : كان الْحبش يلعبون بِحِرَابِهِم فَسَتَرَنِي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا أَنظر، فما زِلت أَنظر حتى كنت أَنا أَنْصَرِفُ. رواه البخاري هذه ألوان من اللهوِ، وأنواع من الرياضةِ كانت معروفة عندهم، شرِعها النبي صلى اللَّه عليه وسلَم للمسلمين، لمزاولتِها أو للفُرجَة، ترفيهاً عنهم، وترويحاً لهم، وهي في الوقت نفسه تهيّء نفوسهم للإقبال على العبادات والواجبات الأُخرى، أكثر نشاطاً وأشدَّ عزيمةً …
من هنا نريد أن نقول: إنَّ الإسلام يُقرُّ ويَحُضُّ على الرِياضة الهادفة النّظيفة، التي تُتَّخذ وسيلةً لا غايةً، وتُلْتَمَس طريقاً إِلى إيجادِ الإنسان الفاضلِ المتميِّزِ بجسْمه القوِيِّ، وخُلُقِه النَّقيِّ، وعقله الذكيِّ، فمن حقّنا أن نتمتَّعَ بالرياضة، إذا كانت وسيلةً لا غايةً، واسْتمْتاعاً لا تعصّباً.