مقال: الأندية الفلسطينية في الشتات … حياة رغم الموت
بقلم أ. خليل العلي، مدير المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة في لبنان.
يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من ضيق اقتصادي شديد، وفقر يطال العدد الأكبر من ساكني المخيمات، وبطالة تصل إلى 73 % رغم ما تقدمه الأونروا من بعض المعونات حيث يقتصر عملها على الطبابة والتعليم والنظافة.
يمنع اللاجئون من ممارسة أكثر من سبعين وظيفة ومهنة، ويعتمد الفلسطينيون في لبنان على ما تبقى لهم من المسموح العمل فيه كالأشغال والتنظيفات وعمالة البناء والزراعة وهذا يعتمد على السوق التجاري كي تستمر الأعمال والحياة وهذا ما يسد رمق عيشهم.
تعتبر الرياضة في مخيمات لبنان من أفضل العوامل المقاومة للحالة المأساوية التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في مخيمه، وهي تساعده على الخروج من الأزمات النفسية المتلاحقة نتيجة الأحداث والحصار الدائم عليه، فكانت الأندية الرياضة والفرق هي العلاج المتوفر للشباب، وهي الجدار الأول في محاربة آفات المجتمع التي يفرضها الواقع السيئ حيث البطالة والفقر.
تتكاثر الاندية والفرق الفلسطينية في مخيمات لبنان وهي تحاول جاهدة أن تمارس دورها في المجتمع الفلسطيني كباقي الملفات والتخصصات التي يعتمد عليها أبناء المخيمات للصمود والثبات ،وقد يصل عدد الفرق الرياضية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية الى أكثر من ثمانين ، وتتوزع على أكثر من 12 مخيماً وعدداً كبيراً من التجمعات خارج المخيمات ، وهي تجاهد على أن تأخذ دورها على أكمل وجه في حماية ورعاية الشباب والناشئة وتعمل على بناء قدراتهم الرياضية والاجتماعية ، وتبرز أندية عريقة ومتميزة في العاب كرة القدم والصالات على الصعيد المحلي وتبرز أندية على الصعيد العربي ، والدولي خاصة في الألعاب الفردية القتالية كالأندية التي تمارس العاب الكيك بوكسنج والمواي تاي وقوة الرمي والكيوكشنكاي والتاي بوكس .
تعاني الأندية والفرق الرياضية في مخيمات لبنان من انعدام التمويل ،حيث تعتمد في غالبيتها على التمويل الفردي من المنتسبين ولا تجد تمويلاً منظماً أو دائماً يعينها على اداء واجبها الرياضي والاجتماعي، وتعتمد بعض الاندية التي تنتسب الى بعض التنظيمات الفلسطينية على بعض التقديمات البسيطة جدا والتي لا تساعد حتى في عقد الاجتماعات الدورية ، ولا يوجد في لبنان خاصة في الوسط الفلسطيني أي رعاية مادية رسمية للأندية الرياضية ، وتقتصر رعايتهم لبعض النشاطات والتي هي اصلاً عبء كبير على الفرق لما تتطلب من مصاريف تشغيلية وإدارية.
وإذا رجعنا إلى تقييم بعض الأندية المتميزة نجد أن تمويلها أفضل من غيرها وهنالك من يقدم لها الدعم الشخصي لحبه للنادي أو لحبه للرياضة، وهذا الفعل محدود جداً ولا يتجاوز 2% من الأندية.
ويقول السيد رائد موعد رئيس اللجنة الرياضة لأندية عين الحلوة (لجنة محلية شعبية) والتي تضم معظم أندية المخيم (أننا لا نستطيع من عدة سنوات اقامة النشاطات المعتمدة لأن الأندية لا تستطيع دفع الاشتراك الشهري، واذا قمنا بنشاط يكون برعاية من إحدى المؤسسات أو في المناسبات الوطنية التي تقيمها بعض الحركات أو التنظيمات الفلسطينية في المخيم) .
ويذكر الاعلامي المتميز السيد محمد لوباني: (أن كرة القدم في السنوات الاخيرة اصبحت تعتمد بشكل كلي على التمويل الذي يشكل ركيزة اساسية في تطوير اللعبة واللاعبين وهذا ما ينقص انديتنا في المخيمات إذا ما استثنينا البعض القليل جدا، والاندية التي تعمل على الاستمرارية باللحم الحي. لذلك أفضل وسيلة للنهوض بالاندية هي ايجاد مؤسسات اقتصادية داعمة في ظل غياب المؤسسات الرياضية الرسمية عن المشهد.
أما السيد أمجد مقدادي رئيس نادي الخليل البداوي (فيرى أن الفريق مستنزف مادياً من افراده ومنتسيه ويعاني معاناةً شديدة، وهو النادي الذي غالباً ما يمثل فلسطين في لعبة الكيك بوكسنج وقوة الرمي، ويقول إن كثيراً من الأبطال لا يستطيعون السفر للمشاركة في البطولات لأنهم لا يملكون ثمن التذكرة، ونعتمد على المحبين وبعض الجماهير لتيسير بعض المعوقات، ورغم هذا فان ابطال النادي ما زالوا يقدمون أفضل النتائج وحصد الميداليات.
ويقارن اللاعب الدولي الفلسطيني وسيم عبد الهادي بين إمكانيات الأندية اللبنانية والفلسطينية في لبنان فيقول (أن فرقنا في المخيمات لا تمتلك حتى مقومات الحياة وهي تعمل بتمويل يكاد يكون صفراً، ثم يتابع فيقول لكننا سنقدم كل أوقاتنا وجهدنا لرعاية النجوم والرياضيين لأن هذا من واجب كل نجم رياضي وكل مجتهد إداري ، واننا في مخيم برج الشمالي ننتج لاعبين على مستوى رفيع تتسابق اليهم الاندية اللبنانية والفلسطينية، ثم يستطرد قائلاً (كيف لو كانت هنالك مرجعيات تدعم الأندية بشكل جيد كالأندية اللبنانية، لكان الأمر مغايراً جداً في التطوير والبناء).
وحتى نكون واقعيين فإن بعض مؤسسات المجتمع المدني ساهمت في بلسمة بعض الجراح لجزءٍ محدودٍ من الفرق بتقديم بعض التجهيزات ومتطلبات التمارين الاسبوعية، وتكون هذه التقديمات كمشروع ينتهي بالوقت والزمان الذي حدد له وقد تكون المساعدات أحيانا لمرة واحدة.
رغم كل هذا الضيق وكل هذا الأسى، ورغم قلة المداخيل وانعدام التمويل إلا أن الأندية في مخيمات لبنان ما زالت تجاهد وتجتهد وتقاوم المعوقات حتى تستمر في عطائها، وترفض الموت البطيء بل إنها تصنع من العدم قدرات ونجوماً.
فمن يقف الى جانب هذه الفرق والاندية الرياضية ويساندها ويساعدها وهي التي تقدم جهدها وتضحي بأوقاتها من أجل البقاء والاستمرار والبناء، ولسان حالهم يقول سنتحمل كل الصعاب وسنتخطى كل الجدر والعقبات وكل الاشواك التي تعترض طريقنا حتى العودة والتحرير، ومن أجل فلسطين والقدس تهون كل الصعاب.
المؤسسة الفلسطينية للشباب والرياضة، 17-2-2020